رياضة أصبح "غولا" بلا هويّة : المدّب يتمسك بعصا الجلاد.. والترجي هو الضحيّة
لم تحصل المعجزة مساء أمس في ملعب الطيب المهيري بصفاقس في اطار لقاء الجولة الرابعة لدوري أبطال افريقيا، وبذلك فاز النادي الصفاقسي -الأفضل فنيا وبدنيا وتنظيميا- ضد الترجي الرياضي الذي كان يدرك قبيل تنقله الى عاصمة الجنوب أنه في رحلة حساسة لن ينتفع منها في الا في حال جني النقاط الثلاث..أما عدا ذلك فان الرحلة مع أمجد الكؤوس اقتربت من خط النهاية كقدر محتوم لفريق مهزوز.
الترجي انقاد الى هزيمة ثالثة والمجموعة مازالت عند حدود الجولة الرابعة في سيناريو رديء جدا لم يعشه الفريق منذ زمن بعيد..وعلى امتداد السنوات السبع الأخيرة، فان الفريق لم يصل الى مثل هذا النتاج وكان ذلك تحديدا عند مغادرة دوري المجموعات في العام 2007 خلال مجموعة ضمت أساك أبيدجان والهلال السوداني والأهلي المصري..
وفي ذلك الوقت تزامنت اللخبطة مع تغيير اداري في شهر أوت من العام ذاته عند قدوم هيئة حمدي المدب خلفا لعزيز زهير..أي ما يعني أن الرئيس الحالي -وبفضل العشوائية وسوء الاختيارات والانفراد بالرأي- قاد النادي الى مرحلة متأخرة جدا مقارنة باسم واشعاع وتاريخ الفريق...
كل هذه المؤشرات المؤدية الى سقوط حرّ كنا نبّهنا اليها سابقا في الجمهورية..ولكن المسؤولين عن الفريق قد يكون أصابهم صمم أو أن ما يلحقهم من انتقادات لا يلقى هوى في نفوسهم..بل انهم يريدون حبرا ينطق على هوى خاص وبتكليف مسبق..وذلك للرفع من أسهم الانتدابات والتنويه والاشادة بالتضحيات..لكن العاقل والملاحظ العادي لمسار الفريق يدرك أن "المكشخة" لم تعد فعلا "غول افريقيا" بل استحالت الى كائن وديع لا حول له ولا قوة بعد أن انقادت الى الخسارة في ثلاث مناسبات في تونس..
الترجي الحالي وفي تقييم وأعراف خبراء اللعبة لا يضم سوى بن شريفية والراقد وأفول كنقاط ضوء..وحتى لا نتجنى في الحكم على اليعقوبي وكوليبالي بحكم قدومهما متأخرين..فان البقية استنفذوا حقا كل الفرص وما على "المدب" -باعتباره المدرب والمسؤول في أن واحد - الا أن يستفيق من غفوته ويحدث غربلة شاملة..
الترجي وحين احتدّت المنافسة كان بحاجة ماسة البارحة الى أبنائه المتكوّنين صلبه والمدركين لنخوة الانتماء اليه والشاعرين ب"القرينتا" حتى في غياب الجمهور...وهو ما افتقده الفريق الذي بات يعاني حقا من وجود لاعبين بعقلية "الشهارة" لم يعد يغريهم سوى بريق اليورو والدولار في ظل غفوة أهل القرار أمام تجاوزات عديدة تتصل بقلة الانضباط وسنأتي عليها في أوانها..
الترجي مثلا وقف البارحة على حقيقة ناصعة وهو أن ارتباك مسؤوليه وغياب التخطيط الواضح جعل كل من المحيرصي والجويني يأفلان سريعا وهما الذان صعدا الى واجهة الأحداث قبل الفرجاني ساسي وفخر الدين بن يوسف ومحمد علي منصر المتلألئين في النصف الثاني من ملعب المهيري..وبين هذا وذاك يلوح جليا حسن التعامل الاداري والتنظيم بين الفريقين ثم الايمان الشديد بمواهب اللاعبين وشد أزرهم حتى في أسوأ الحالات وهذا ما جعل من "جوفنتس العرب" فريقا متماسكا ومهابا مقارنة بزملاء بن شريفية...
نقطة أخرى تثير الانتباه وتفيد أن الفريق لاح في تراجع مثير وهي انعدام البناء الهجومي وغياب الثقة لدى اللاعبين حتى لتبادل ثلاث أو أربع تمريرات..وهي مؤشر وانذار خطيرين عن نشاز كروي لم يبلغه الترجي منذ زمن بعيد..بيد أن تتالي الهفوات الفنية والادارية (ومنها اختبار هذا المدرب) قد يوصل الفريق الى حال متردّ أكبر بكثير..
وما دمنا مع دوسابر الذي خلق فتنة حقيقية في الفريق وقسّمه الى شقين أحدهما في البحيرة والثاني بحي النصر.. وكل يعدّ لخطوط ومعالمه مشروعه، فاننا نشير الى أن هذا الفني جاء ليثبت حالة من الارتباك غير المسبوق لدى حمدي المدب الذي استنجد منذ سنة ونصف بالكنزاري خلفا لمعلول ثم جاء بالقصري فدوسابر ثم كرول فدوسابر مجددا..وبمثل هذا الخبط العشواء فانه لن يكون بمقدور أفضل فرق العالم أن تتوج أو حتى تراهن على لقب ما..
عديد المؤشرات لا تكذب وهي تبيّن ضعفا كرويّا لا مناص من تداركه باجراء غربلة شاملة في الفريق، فالأحباء لم يتعودوا بترجي يخسر الدوبلي ثم دوري الأبطال في نفس العام فالكأس ثم يتعثر في مطلع دوري المجموعات لرابطة الأبطال..واذا ما استمر الحال على هذا الأمر فان الترجي سيدخل صفّ ما بعد المائة في الترتيب الدولي بعد بلوغه سابقا المرتبة التاسعة والخمسون.
مشكلة الترجي ليست في مجرّد العبور أو السقوط من دوري المجموعات، فالفريق لم يعد يملك مصيره بيديه، لكن ما هو أهم أن عميد الأندية بات حقيقة يعيش حالة اغتراب داخلي، اذ فقد الكثير من معالم قوته وصلابته واستقراره، ومع كل القرارات المتخذة من المدب الذي عادى الكثيرين ونفّر أبناء الترجي من جمعيتهم (بادين التلمساني-زياد التلمساني-شكري الواعر-نبيل معلول-أحمد بوشماوي-عزيز زهير-نبيل الشايبي-طارق بوشماوي-ماهر الكنزاري وغيرهم...) بسبب استفراده بالرأي واحتكاره كل المهام باختلاف الاختصاص وهو ما ولّد قطيعة عادت بالوبال على الفريق..فان كل ذلك لا ينبىء بالخير الكثير طالما أن حمدي يتعامل مع المحيطين به ك "مدب" وليس كرئيس لأعرق الأندية في تونس...
طارق العصادي